تمهّل.. فأمامكَ الحُجُرات!
د. عبدالعزيز الأحمد
أحيانا وأنت تقرأ؛ تستغرق في المقروء حتى تظن نفسك فوق السحاب، أو في لجة بحر، أو على ضفاف نهر، أو داخل بستان يحتوي جميل الأشجار والثمار، فكيف إذا كان المقروء الكلام المبين وحديث رب العالمين؟! فذلك النور والبهاء، والجلال والكمال، والعظمة وغاية الحسن..
إنّه يسكب في القلب نوراً، وفي النفس راحة، وفي الحياة طمأنينة: «وجعلنا له نورا يمشي به في الناس»، في القرآن كله، ستجده يمنحك ذلك الفضل والرحمات، من سورة الفاتحة حتى سورة الناس..
لكن دعونا ندلف إلى "الحجرات" لنقتبس من نورها وجمالها وطيبها، فكم فيها من آداب وإيجابيات تكفي لتكون "دستوراً"، لكل بيت ومجتمع ودولة وأمة؛ ومنها:
أدب المنهج والإتباع في قوله تعالى: «لا تقدموا بين يدي الله ورسوله».
أدب الصوت: «لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي».
أدب النقل: «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا».
أدب الخلاف والحُكم والإصلاح: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا».
أدب الإحساس والأخوة: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ».
أدب التعامل: «لا يسخر قوم من قوم».
أدب الطهارة في الخواطر واللسان: «اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ٌ ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً».
أدب الكرامة وميزان التفاضل: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
أدب الإيمان والعمل والجهاد: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
أدب الإحسان والإخلاص: «قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ».
أدب الحقائق والدعاوى: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا».
يجمع هذه الآداب؛ فن الاتصال ومهارة اللسان، وفن الثقة والعزة وكرامة الإنسان، وفن العلاقة بين الإنسان وأخيه، والإحساس والتقدير والاحترام، ومهارة وضوح الطريق واتباع المنهج، وغيرها؛ ويلاحظ فيها شموليتها لجميع الآداب والأخلاق؛ الأدب مع الله، ومع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع النفس ومع الناس.
هذه الإيجابيات والآداب تقي الإنسان من فوضى المنهجية والقدوات، وتقيه من الشائعات، ونار الاختلافات، وكذلك تحفظه من الشعور الأناني والتعالي والفخر الأجوف، وتقيه من الانزلاق خلف الظنون الفاسدة والاستجابة للخطايا القلبية واللسانية، وتمنع الدعاوى الكاذبة وتؤكد على العمل والمجاهدة في الميدان وليس كثرة الكلام بلا برهان!
وأخيرا.. يذكر الله عدة مرات أنه المتفضل بذلك كله خلْقاً وإيمانا وتقوى، "بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان"، هنا تسقط الدعاوى والحول والطول والتفاخر.. إن الخير الذي أنت فيه من الله وإليه.. كم في الحجرات من أنوار.. وسكينة وهدوء وراحة.. فعلا من أضناه شوط الحياة فليفيئ للقرآن وسورة الحجرات فثم السكن والسكينة والنور والإيمان..
هو للفضيلة والمحامد جامع ٌ
فيه الهدى ومحاسن الأخلاقِ
هو نخلةٌ، والظلُّ منها دائمٌ
تعلو وتُنبِتُ أروعَ الأعذاقِ
هو يربط العبد الضعيفَ بربِّه
ويعرِّف المخلوقَ بالخلاقِ